-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

بأي حال عدت يا عيد..



بكثير من الدماء والدموع والحروب واللاجئين، تستقبل الأمة الإسلامية عيد الفطر المبارك للسنة الهجرية 1437، الذي يعود ليجد أمة محمد غارقة في المآسي، عاجزة عن لملمة جراحها وشتاتها، من العراق إلى ليبيا، ومن اليمن إلى سوريا، ومن فلسطين إلى بنغلاديش وبورما.. دول وبقاع عديدة يئن أهلها، ولا تجد من يكفكف دمعها، ولا لمن تشكو، غير الله الجبّار، همّها..
وإذا كان للمسلم عيد الفطر مناسبة للفرح، فإن الأمة قد طلقت الفرح منذ زمان، ولئن فرح المسلمون فإنهم يفرحون فرادى، فرحة منقوصة، وهم يتابعون كيف أن ملايين السوريين أصبحوا بين قتيل وجريح ولاجئ "في بلاد الناس"، وكيف أن العراقيين الذين كانت "بلادهم جنة" أصبحوا يكابدون الجحيم يوميا، وكيف أن في فلسطين واليمن وليبيا وبنغلاديش وبورما إخوانا لهم نسوا لون الفرح، وغاب عنهم طعم البهجة منذ زمان..

ماذا يجري للمسلمين؟
كتب الأستاذ إبراهيم منير عن الوضع البائس للأمة الإسلامية يقول:
ولولا كثرة الباكين حولي               على إخوانهم لقتلت نفسي
صرخة خرجت من قلب الصحابية الجليلة الخنساء (تماضر بنت عمر السلمي) قبل الإسلام عندما سقط أخاها صخر قتيلا تغمره الدماء وقد كان من سادات العرب، فما وجدت بعد مقتله في الحياة غير اللوعة والحزن التي لم تجد لهما شفاءًا مع انتكاسة الذكرى التي لا تبارحها.
يذكرني طلوع الشمس صخرا          وأذكره بكل غروب شمس
يؤرقني التذكر حين أمسي             فأصبح قد بُليت بفرط نكس
فيا لهفتي عليه ولهف أمي            أيصبح في الضريح وفيه يمسي
أدب حزين خرج من قلب مكلوم على أخ واحد تستعيده الذاكرة، ونحن نعيد الأسى لحالة أمة يقع فيها المئات إن لم يكن الآلاف قتلى يوميا تغمرهم الدماء يدفعنا إلى أن نقول يا لهفتنا على قتلانا في بورما (ميانمار) الذين يُقْتلون بدم بارد لم يزعج الزعيمة البورمية الحائزة على جائزة نوبل للسلام (!!) (فونج سان سو كي) وإنما أزعجها أن تكتشف أن مذيعة البي بي سي البريطانية التي استضافتها في حوار عن أحوال بلدها وعن مذابح المسلمين فيها فصرخت (لم أعرف أني سأحل ضيفة على مذيعة مسلمة)!.
ويا لهفتنا على ما يجري في بنغلادش التي عانت ما عانته في سبيل إقامة دولة تضم المسلمين حفاظا على أوراحهم وأعراضهم ودمائهم من مذابح جرت في أوائل القرن الماضي عندما كانوا جزءًا من الهند، ثم يأتي نظام على رأسه السيدة (شيخة حسينة واجد) لتحارب فكرة الإسلام نفسه ولا تتورع عن قتل معارضيها بالقضاء الفاسد وأجهزة وطنية خربة.

رقعة الدماء تتسع
وبكثير من الحسرة، يضيف إبراهيم منير قائلا:
ويا لهفتنا على ما يجري في اليمن وفي العراق الذي لا ينكر أحد أن قرني الطائفية قد وجدا فيهما مجالا، وفي سوريا التي قاربت محنتها على نصف قرن بدأت بطائفية التحفت بالعسكرية وانتهت الآن إلى أن من يملك القرار فيها ومع استمرار القتل وإسالة الدماء القوتان المختلفتان سياسيا ولعله مذهبيا أيضا روسيا وأمريكا.
وتتسع رقعة الدماء لتصل إلى ليبيا ونيجيريا والعنصرية الجديدة في الغرب ولا تستطيع أن تمسح بلاياها ونكاباتها كثرة دموع الباكين حولها، وهي التي ربما قد حبست في عيني المسؤول الأول بان كي مون في زيارة الوداع لقطاع غزة عندما أدلى بتصريح يختزل فيه مأساة النظام الأممي كله عندما قال عن غزة: (الحصار يخنق الناس ويدمر اقتصاد غزة ويعيق عمليات الإعمار، إنه عقاب جماعي ويجب أن تكون هناك محاسبة على ذلك)، ولعل السيد بان كي مون في هذه الزيارة الوداعية قد تعمد إغماض العينين وهو في طائرته ذهابا وإيابا إلى المطار الإسرائيلي الذي استقبله وودعه ولم ينظر إلى ما يجري في جوار قطاع غزة في سيناء وفي مصر التي استقبل هو شخصيا قائد الانقلاب العسكري فيها تحسبا من أن يسائله أحد من المنوط به المحاسبة وهو يعلم أن الذكرى الثالثة للانقلاب العسكري تحل هذا الأسبوع وما زالت دماء الإخوة والأخوات ساخنة نذكرها مع طلوع كل شمس وغروبها ومع عشرات الآلاف الصامدين في السجون.
أخيرا يعترف المسؤول الأممي أن في الدنيا وتحت رعايته عقاب جماعي وأنه يجب أن تكون في مواجهته محاسبة وهو الذي وفي عهدته تجري فيه كل هذه البلايا التي لم تخلف شقيقا واحدا صاغت شقيقته فيه شعرا حزينا ولولا وحي السماء بعد جاهلية ما قبل الإسلام ما شفت نفس من حزن وما انفتحت أبواب الأمل والرضا في النفوس وأمتنا تعيش رمضان بغزوة بدر وبليلة القدر وبكتاب الله الذي يُتلى وبسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإذا عزت الإجابة عن المسؤول الأممي وعجز عن مواجهة الأمر فليسمع ما جاء في سورة المؤمنون (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) لتأتي الآية التي تليها قبل أن تتسلل نفثات الشياطين إلى من  في قلبه خلل تنزيها للخالق سبحانه عز وجل (فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) لتطمئن قلوب المؤمنين وليعلم من يطغى في الأرض بغير الحق أن وعد الله نافذ وأن الموت والحياة ليس أمرا عبثا، وبهذه الروح يعيش المؤمن وإن مرت على الانقلاب الدموي في مصر ثلاث سنوات فقد مرت مثلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والفئة المؤمنة معه في حصار شيطاني أجمع عليه زعماء قريش وجعلوه اقتصاديا واجتماعيا وفي شعب من شعاب مكة وتعاهدوا على ذلك في وثيقة علقوها في جوف الكبعة بدأوها بكلمة (باسمك اللهم)، وتمر ثلاث سنوات عجاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه يعانون الجوع والأذى ويأكلون من خشاش الأرض وكانت ابتلاءً للفئة المؤمنة التي يتم إعداها لتحمل أعباء الرسالة، شاء الله سبحانه وتعالى أن ينهيها بسعي خمسة من أصحاب الضمائر الحية، ثم بمعجزة إلهية التي أخبر الوحي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقلها له عمه أبو طالب قبل أن يراها المشركون عندما تسللت حشرة يسمونها الأرضة إلى الوثيقة التي علقوها في جوف الكعبة وأكلت كل ما كتبه المشركون في هذه الوثيقة الظالمة إلا ما جاء في عنوانها (باسمك اللهم).
هي المشيئة الإلهية التي تجري بها العدالة الربانية في الدنيا وفي الآخرة، تأتي ناصعة طاهرة بارقة في قوله سبحانه وتعالى في سورة ص: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين).
نفوسنا لا تقل آسى على إخواننا عن آسى الصحابية الجليلة الخنساء لمقتل شقيها نعيش ذكراهم في طلوع الشمس وغروبها ونكل الأمر كله لله ونقول دائما (باسمك اللهم).

الطريق طويل..
ويستكمل الأستاذ منير الآيات ليقرأ قول الله سبحانه وتعالى ووصفه ووعيده لمن يشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ليأتي قوله سبحانه وتعالى (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ)، وهي بشرى كما وصفها صاحب الظلال عليه رحمة الله (للمؤمن الصادق الذي يبذل نفسه كلها لمرضاة الله. لا يستبقي منها بقية. ولا يحسب لذاته حسابا في سعيه وعمله.. بييع نفسه كلها لله. ويُسْلمها كلها. ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله. ليس له فيها شيئا. وليس من ورائها شيء. بيعة كاملة لا تردد فيها ولا تلفت ولا تحصيل ثمن. ولا استفاء بغية لغير الله).
الطريق طويل كل قطرة دم شهيد على الدرب وكل بسمة ترسمها شفتيه تقول لمن خلفه ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، وكل أذى يلقاه السائرون على الطريق قد مرّ به المرسلون والأنبياء عليهم جميعا صلوات الله وسلامه وهم خير خلق الله أجمعين، وقد تسلمنا الأمانة من أجيال قبلنا بذلوا جهدهم قدر ما استطاعوا أخطأوا وأصابوا ولم يدعوا للتنازع بينهم أن يكون سببا للفشل ولولا فضل الله عليهم بما أحسنوا وأخلصوا ما واصلت جماعة الإخوان المسلمين سيرها، فَغُذُوا السير فالأجيال القادمة تنتظركم، والمائة الجديدة تفتح بابها لمن يُقْبل غير مدبر صادقا التوجه مناديا (الله غايتنا).

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020