-->
أخبار الجزائر والعالم أخبار الجزائر والعالم

الفتوحات الإسلامية.. هل كانت احتلالا؟!

يردد البعض سؤالا "حسّاسا" يقول: لماذا كان الصحابة أذا أرادوا الدعوة لدين الله كانوا يفتحون البلاد، ولماذا سموها فتحا لا احتلالا؟
والجواب: من المستشار علي بن مختار بن محمد بن محفوظ
أولا: مشروعية السؤال: هذا السؤال يعتبر مشروعا؛ لأنه يرد على شبهة منتشرة بين بعض الناس، ويرددها بعض الباحثين المعادين للإسلام، أو ينشرها بعض المزورين للتاريخ الإسلامي، وينشرون أنه تاريخ دماء! فهذا سؤال مشروع؛ لأن بعض الناس يطرحونه في ريبة ويرددون: لماذا سميت المعارك أو الفتوحات الإسلامية التي تمت في عصر قوة الإسلام؟ بالفتوحات أليست هذه المعارك نوعا من الاحتلال؟ ويقول بعضهم: ألم تكن هذه الحروب قهرا للشعوب على الدخول في الإسلام تحت حد السيف؟.
وللجواب على ذلك أقول:
فالذي ترسخ عند المؤرخين المنصفين، والذين حاولوا تصحيح التاريخ الإسلامي الذي تم تشويهه عمدا على يد المستشرقين وأذنابهم، ممن زوروا التاريخ حتى في الكتب المدرسية، مع اعتماد أساليب الغزو الفكري مع الغزو العسكري، وفي حماية قوات الاحتلال للبلاد الإسلامية، التي أسقطت قبل ذلك دولة الخلافة بالتعاون مع اليهود، واعتمدوا للانتصار الحاسم على المسلمين، نشر الغزو الفكري الذي لا يريد فقط نشر الفواحش والفساد، بل يهدف للهجوم على كتاب الله بعدة طرق، والطعن في السنة النبوية بعدد من الوسائل، والتشكيك في التاريخ الإسلامي في جميع وسائل الإعلام، وحتى في الدراسات المنوعة، وتشويه الوجه المشرق للحكم الإسلامي، ونشر اللهجات المحلية لتغيير اللغة العربية، ومن أساليبهم الماكرة لتزوير التاريخ أنهم قد سموا الفتوح الإسلامية بالغزو، ولكن مع انتشار العلم، وظهور الصحوة الإسلامية بدأت تنتشر الحقائق، وتم دحض بعض الشبهات، ومنها هذه الشبهة.
فالفتوحات الإسلامية للبلاد وبحسب شهادة عدد كبير من المؤرخين الغربيين فضلا عن الإسلاميين كانت لنشر دعوة الخير، ومنع الظلم. والجهاد كان للسماح للناس للاستماع لدعوة الإسلام، وكان الأصل هو منع من يحول بين الناس وبين سماعهم عن سماحة الإسلام.
فالفتوح الإسلامية في الأساس أرادت كسر شوكة السلطات الطاغية التي كانت تحكم البلاد، وتحول بين شعوبها وبين الاستماع إلى دعوة الإسلام، أو كلمات القرآن، التي جاء بها رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وتريد أن يبقى الناس على دين ملوكها، ولا يفكر أحد في اعتناق دين آخر، ما لم يأذن له الأمير أو الملك، سواء في بلاد كسرى أو قيصر، وهو ما عبر عنه القرآن على لسان فرعون قديما حينما أسلم سحرته، وأمنوا برب موسى وهارون قال تعالى: "قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى"سورة طه. هذا كان حكم الأكاسرة والقياصرة والملوك في ذلك الزمن: حاجزا حصينا دون وصول  الإسلام ودعوته العالمية إليهم.
ولهذا حينما بعث رسول الإسلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم برسائله إلى هؤلاء الأباطرة والملوك، يدعوهم إلى الإسلام: حملهم – إذا لم يستجيبوا للدعوة – إثم وذنب رعيتهم معهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهرقل عظيم الروم: "أسلم تسلم، وإلا فعليك إثم الإريسيين" كما في صحيح البخاري، وكذلك قال لكسرى: "فإن لم تسلم فعليك إثم المجوس"، وقال للمقوقس في مصر: "فعليك إثم القبط، فأراد الإسلام أن يرد الأمور إلى نصابها، وبهذا يعيد للشعوب اعتبارها واختيارها، فلا يختارون هم بأنفسهم لأنفسهم. ولا سيما في هذه القضية الأساسية المصيرية، التي هي أعظم قضايا الوجود على الإطلاق: قضية دين الإنسان، الذي يحدد هويته، ويحدد غايته. ومن هنا كانت الحرب الموجهة إلى هؤلاء الملوك والأباطرة، لهدف واضح، هو إزالة الحواجز أمام الدعوة الجديدة، حتى تصل إلى الشعوب وصولا مباشرة، وتتعامل معها بحرية واختيار، ومن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. فلا إكراه على اتباع الدين، أو لا فرض على دخول الإسلام بالقوة، أو اتباع عقيدة دون اقتناع.
فالإسلام دين عالمي، ودعوته دعوة عالمية، للبشر جميعا، وهي مأمورة بتبليغ هذه الدعوة، التي تعتبر رحمة الله للعالمين، ولا بد من العمل على نشر هذه الدعوة، والتي حوربت منذ بدايتها في قريش، وعاني أتباعها من التعذيب والتنكيل والاضطهاد. ولما هاجرت الدعوة للمدينة وأسست دولة جديدة حوربت أيضا، من عدة جهات، ولكنها انتصرت، وبدأت في نشر الخير، وخاضت الحروب مع من يمنع نشر دعوة الإسلام، ولتحقيق هدف آخر مهم وهو تحرير الشعوب المحتلة و المستضعفة في بلاد الشام والعراق ومصر، وكان لا بد من مساعدة هذه الشعوب على التحرر من هذا المحتل الظالم، وقد كان الروم في مصر ـ مثلا ـ يسلبون حرية الناس ويستغلون خيراتهم، وينهبون ثرواتهم، ولهذا رحب الأقباط أي المصريين أو الشعب المصري بالفاتحين المسلمين، وانضم عدد كبير منهم للقائد عمرو بن العاص رضي الله عنه ليخلص مصر من ظلم الروم. فكيف استطاع المسلمون بثمانية آلاف جندي فقط أن يفتحوا مصر، ويحرروها من سلطان الروم إلى الأبد إلا بأن المصريين رحبوا بالجيش الإسلامي، وانضموا له، وساعدوه ليخلصهم من الظلم، ولما فتحت مصر لم يندم أهلها أبدا على مساعدتهم للمسلمين، بل فرحوا بذلك جدا وسعدوا بحكم المسلمين بعد طول فترة الظلم على يد الروم.
ومن ينظر بعمق في تاريخ الإسلام ودعوته وانتشاره: يجد أن البلاد التي فتحها المسلمون، لم ينتشر فيها الإسلام إلا بعد مدة من الزمن، حين زالت الحواجز بين الناس وبين الدعوة، واستمعوا إلى المسلمين في جو هادئ مسالم، بعيدا عن ضربات السيوف، فتعامل الناس مع المسلمين وأحسوا بحسن أخلاقهم، وجودة في تعاملهم مع ربهم، وتعاملهم مع أنفسهم، وتعاملهم مع غيرهم، مما يحبب الناس إليهم، ويقربهم من دينهم، الذي رباهم على هذه المكارم والفضائل.

الفرق بين الفتح والاحتلال
فكل من يتابع أفعال المحتلين فلا بد أن يفرق بين الاحتلال والفتح، فالاحتلال كما فعل الاحتلال الإنجليزي والفرنسي وإلى الآن الأمريكي كما في أفغانستان أو في العراق، أو احتلال فلسطين من الإنجليز ثم السماح للصهاينة باحتلالها ومساعدتهم على ذلك، فماذا يفعل المحتلون؟ ألا يرتكبون الجرائم، وينشرون المخدرات المدمرة للعقول والأبدان، وينشرون مبادئ تفرق ولا توحد، ويرتكبون الفظائع، إضافة لنهب الخيرات، واستغلال ثروات البلاد، ويعملون لمنفعتهم، ويدافعون فقط عن مصالحهم.
أما ما فعله المسلمون حين حاربوا لمنع من يحول بين الشعوب ونشر دعوة الإسلام، فقد أقاموا العدل، وابتعدوا عن الظلم، بل حموا ودافعوا من المسلمين، ونشروا الخير، ولم يرتكبوا الفظائع، وشهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء؛ لذلك أطلقوا على حروب المسلمين فتحا، وتحكي كتب التاريخ قصصا متواصلة عن سماحة المسلمين وحسن تعاملهم، لدرجة أننا سمعنا وقرأنا أن أحد بلاد الشام بعدما دخلها المسلمون صلحا، وجمعوا من الناس الذين لم يدخلوا الإسلام الجزية، ولما انشغل المسلمون في حرب جديدة ولم يستطيعوا أن يحموا أهل هذه البلدة أرجعوا لهم أموالهم وانسحبوا، فاستغرب الناس كيف ترد لهم الجزية! فقال لهم قائد المسلمين: نحن أخذنا الجزية نظير حمايتكم، وانشغلنا في حرب أخرى ولا نستطيع حمايتكم، فنرد لكم الجزية، فدخل هؤلاء بعد رؤية هذا العدل، وهذا التمسك بالقيم والمبادئ إلى الإسلام طواعية، ووقعت حوادث أخرى تدل على إقامة العدل، والبعد عن الظلم.
فالفرق بين الفتح الإسلامي والاحتلال جليٌّ وبيّن، ففي الفتح الإسلامي لا تنهب أراضي أحد ولا أمواله إلا ما كان غنيمة في المعركة، و ليس في الفتح الإسلامي محاولة لا إكراه أحد على اعتناق الإسلام أو التخلي عن الثقافة واللغة وحتى العادات والتقاليد التي ليس فيها أذى للمجتمع.
ولما ظهرت سماحة الإسلام واتضحت موافقته للفطرة السوية فقد دخلت الشعوب في البلاد المفتوحة في دين الله أفواجا، واعتنقت الإسلام ديناً وفكراً ومنهجاً واشتركت في الدفاع عن دولة الإسلام؛ لذلك لا تسمع في البلاد المفتوحة عن "مقاومة شعبية" للفتح الإسلامي كما هو الحال في أي احتلال. ففي الاحتلال غصب للأراضي و الأموال، ومحاولة لطمس هوية البلد المحتل وشعبه وفرض آراء حكامه وأهوائهم عليها.

ولكل ما سبق، فقد انتشر الإسلام بصورة سريعة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، أذهلت كل من اطلع على تاريخ الأمم عموما، وتعجب من سرعة دخول الناس في دين الله أفواجا؛ ولذلك ينبغي أن نسمي هذه المعارك الإسلامية فتوحا، هذا والله تعالى أعلم.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

أخبار الجزائر والعالم

2020